رفح- الضمائر الزائفة وعروض السلام الكاذبة أمريكا والغرب

المؤلف: كمال أوزتورك10.27.2025
رفح- الضمائر الزائفة وعروض السلام الكاذبة أمريكا والغرب

للمرة الأولى، تدين أمريكا والغرب بشدة قصف مخيمات اللاجئين في رفح، كما لو أن كل ما ارتكبته إسرائيل قبل ذلك، منذ بداية العدوان الغاشم على غزة، كان أمرًا طبيعيًا ومقبولًا. لقد ارتفع عدد الضحايا إلى أكثر من 36 ألف شهيد، غالبيتهم الساحقة من النساء والأطفال الأبرياء. إن الهجمات الشرسة التي شنتها إسرائيل على المستشفيات تعتبر عملاً وحشيًا وغير إنساني على الإطلاق، والآن يعربون عن استنكارهم لمقتل 45 شخصًا نتيجة لقصف خيام اللاجئين. يُعد هذا التصرف انتهاكًا سافرًا للقيم الإنسانية النبيلة وتجسيدًا صارخًا لغياب الضمير الإنساني.

أصداء الضمائر الزائفة

تبرز أحد أفظع مظاهر النفاق السياسي من جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي وصف قصف مخيم اللاجئين بأنه "خطأ مأساوي". ألا يُعد قصف الأطفال الأبرياء وقتل النساء العزل بالقنابل المتفجرة، واستهداف القوافل الإنسانية التي تحمل الغذاء والدواء، وسيارات الإسعاف التي تنقل الجرحى، والمستشفيات التي تعالج المرضى، والكنائس التي يلجأ إليها الناس، والمساجد التي يتعبد فيها المسلمون، أعمالًا مأساوية بكل المقاييس؟ إن الضمير الكاذب للقاتل لا يمكن أن يتجسد إلا بهذه الطريقة المخادعة.

أما وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، فقد وضع نفسه في موقف حرج ومخجل للغاية. إذ وصف الحادثة في البداية بأنها "مروعة ومفزعة"، ثم سرعان ما أردف قائلًا: "إنه هجوم محدود ومركّز على الإرهابيين الذين يقتلون المدنيين"، مما يكشف عن التناقض الصارخ والمزيد من الفظائع التي تُرتكب بحق المدنيين الأبرياء. ماذا يمكن أن يتوقع المرء من شخص لم يبدِ أي رد فعل يُذكر ليوم واحد على مقتل 36 ألف إنسان بريء وجثث الأطفال المتناثرة؟ هل هذا يعكس عدم الاكتراث العميق أم أنه مجرد تحايلٌ سافر على الحقيقة وتزييف للواقع؟

على الرغم من التصريحات المتعددة التي أدلى بها الرئيس الأميركي، جو بايدن، محذرًا من خطورة الهجمات الإسرائيلية على مدينة رفح، فإن صمته المطبق كان مريبًا ومثيرًا للريبة عندما قامت إسرائيل بقصف مخيمات اللاجئين في رفح، وقتلت المدنيين العزل الذين كانوا يبحثون عن ملاذ آمن من الموت والدمار. لم يتمكن هذا البطل المزعوم لقضايا الإنسانية وحقوق الإنسان من وقف إسرائيل أو حتى التصدي للقنابل الفتاكة التي تُرسل إليها بسخاء.

وعلى الرغم من التصريحات الباهتة الصادرة عن بريطانيا وألمانيا ودول أخرى التي تُعرب عن دعمها المطلق لإسرائيل دون وضع أي شروط أو قيود، حتى بعد قصف مخيم اللاجئين، فإن هذه التصريحات لا تُعدو كونها عروضًا باطلة للضمائر الزائفة والمخادعة. لا ينبغي التعويل على أيٍ منها أو الوثوق بها.

مبادرات السلام الخادعة

بالإضافة إلى تلاعبه الفاضح بمفهوم الضمير الكاذب، عمد الرئيس بايدن إلى نشر مقترح لوقف إطلاق النار عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، مما يوحي بوجود اهتمام حقيقي بحياة الناس ورغبة صادقة في تحقيق السلام المنشود. ومع ذلك، يمكننا بسهولة أن ندرك أن هذا المقترح لا يعدو كونه مبادرة زائفة، بالنظر إلى عدم وجود أي تهديد بفرض عقوبات أو قطع المساعدات العسكرية والنفطية الحيوية في حال عدم القبول به. لو كان هذا المقترح جادًا وصادقًا، لكان من الممكن رؤية تهديدات حقيقية وعواقب وخيمة إذا لم يتم قبوله. ولكن نتنياهو رفضه بسهولة ويسر، مما يثير الشكوك العميقة حول جدية هذا المقترح ونوايا القائمين عليه.

في الواقع، أعلن نتنياهو بوضوح وصراحة أنه لن يقبل بإنهاء الحرب دون تحقيق جميع أهدافها المعلنة، وهو موقف أكده في جلسة سرية مغلقة للكنيست وتم تسريبها عن عمد إلى الصحافة ووسائل الإعلام. فما هي تلك الأهداف التي يسعى إليها بإصرار وعزيمة؟ إنها تتضمن قتل وإزهاق المزيد من أرواح الفلسطينيين الأبرياء، وإحداث المزيد من الخراب والدمار الشامل، والمزيد من التهجير القسري، وزيادة وتوسيع نطاق الاحتلال الغاشم. في هذا السياق القاتم، لا يمكن أن تكون هناك أهداف أخرى غير ذلك.

بايدن لم يبدِ أي تعليق أو رد فعل يُذكر حول هذا الأمر الخطير. بل على العكس تمامًا، هو مستمر في تقديم الدعم اللامحدود لإسرائيل عبر إرسال القنابل المحرمة التي تسفك دماء الأطفال الأبرياء، ويموّل الطائرات الحربية التي تقصف المدن الآمنة بالوقود. كما أنه يهدّد الدول التي تسعى جاهدة لفرض عقوبات منطقية على إسرائيل. بمعنى آخر، يجب ألا نثق إطلاقًا بعروض السلام الزائفة والمخادعة التي تصدر عن إدارة بايدن الحالية.

ماذا يجب علينا أن نفعل؟

من الواضح والجلي أن مجرد الاستنكار والتنديد لم يعودا كافيين لمواجهة الظلم والقمع المستمر الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي البغيض بحق الشعب الفلسطيني الأعزل. يجب على الدول الإسلامية والمجتمع الدولي بأسره اتخاذ خطوات عملية وفعّالة وملموسة لوقف هذه المأساة الإنسانية المروعة.

أولًا وقبل كل شيء، يجب على الدول الإسلامية والعربية أن تمارس ضغطًا هائلًا وقويًا على المجتمع الدولي لاتخاذ إجراءات حاسمة وفعّالة ضد إسرائيل، بما في ذلك فرض العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية المؤلمة، وقطع العلاقات التجارية والعسكرية معها. علاوة على ذلك، ينبغي عليها العمل بكل جد على توجيه الضغط الدبلوماسي المكثف؛ لتحقيق إنهاء الاحتلال وتحقيق العدالة المنشودة للشعب الفلسطيني المظلوم.

ثانيًا، يجب على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته كاملة تجاه حماية الفلسطينيين من الانتهاكات والجرائم الفظيعة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي، وضمان تقديم العون الإنساني والإغاثي اللازم للمتضررين.

وأخيرًا، يجب على المجتمع الدولي أن يعمل على تعزيز الوعي العام بحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية في فلسطين، وتقديم الدعم الكامل للجهود السلمية الرامية إلى تحقيق السلام العادل والدائم، وحق تقرير المصير للفلسطينيين، وذلك من خلال دعم الحوار البناء والتفاوض الجاد؛ لتحقيق السلام العادل والدائم في المنطقة بأسرها.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة